[إغلاق المساجد وتعطيل الصلوات]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
مع انتشار وباء كورونا في طول الأرض وعرضها سارعت الحكومات لإجراءات وقائية تقضي بمنع التجمعات، وتضييق الحركة، وفرض عزل تام، فعمدوا إلى إغلاق المساجد وتعطيل الجمع والجماعات؛ لمحاصرة الفيروس والحد من انتشاره، فخرجت عندها فتاوى العلماء، وآراء المتعالمين، بين صاحب تقوى، ومتجرئ على الفتوى، بين من يفتي على بينة وهدى، ومن يجادل ويحكم بالهوى، فتضاربت الأقوال، وعلت الأصوات، واختلطت الأقلام، وسعرت الفتن، وظهرت الخلافات في العلن، وأشد من هذا وذاك؛ تفسيق المخالف، وتزكية المحالف، والله نسأله أن يرزق المسلمين الاجتماع والتآلف.
وإني سأقتصر على أهم الأقوال في هذه النازلة معرضًا عن آراء السفهاء، وفتاوى الأقزام الهوجاء، وسيكون عرضها باختصار الكلام، مع وصول المعنى على وجه التمام؛ لأن الشيخ الدكتور محمد يسري إبراهيم -وفقه الله- قد كفانا مؤونة التعب بنصبه، وأعطانا الخلاصة بتعبه، حيث أفرد لهذه النازلة بحثًا في قرابة مائة وثلاثين صفحة تحت عنوان: (نازلة تعطيل المساجد في القطر الواحد عن الجمع والجماعات) ولا شك أنه أبدع فيه وأحسن بما ساقه من أدلة الفريقين موازنًا بينهما، مرجٍّحًا ما ترجح لديه، وفقًا لقواعد النظر والترجيح.
وعلينا أن نعلم بداية أنه لا يختلف مسلمان في أن المساجد بيوت رب الأنام، وأبرز معالم الإسلام، ومن أهم مكونات الحضارة الإسلامية، ومن أعظم صروح الملة الحنيفية، عمارتها بالصلاة والذكر عمارة للدين، وهجرها من الأذان والعبادة هجر للواجب الثمين، وحمايتها وصيانتها واجب أكيد، وتقديسها واحترامها حق شديد، وهذا أوضح من أن يوضح، وأظهر من أن يظهر !
وإنما الخلاف الحاصل حول إيقاف صلاة الجمعة والجماعة مؤقتًا والاكتفاء برفع الأذان؛ حتى يرفع الله الوباء ويعود الأمان، وهذا ما لم يتفق عليه كل الأطراف، أو يحصل به اجتماع وائتلاف، فكان الخلاف على قولين:
القول الأول: جواز إغلاق المساجد، وبه أفتت:
– “هيئة كبار العلماء بالسعودية” في قرارها الصادر في 16 / 7 / 1441 ه
– و”هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف” في بيانها الصادر في 21 / 7 / 1441 ه
– و”الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” في بيانهم الصادر في 19 / 7 / 1441 ه
و”مجمع الفقه الإسلامي الدولي” في بيانهم الصادر في 6 / 7 / 1441 ه
وغيرها من المنظمات العلمية، والهيئات الإفتائية.
واستدلوا بقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) [البقرة:195].
وقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا) [النساء:29].
وجه الدلالة: وجوب تجنب الأسباب المفضية إلى هلاك النفس، وإقامة الجمع والجماعات في ظل وباء كورونا مخاطرة بالنفس، وترك لما يجب حفظه وصونه.
وأجيب عنه: أن كوفيد-19 ليس فيه غالبًا إتلاف للنفس أو بعض أعضائه، فإن معظم الناس (80%) منهم تظهر عليهم أعراض خفيفة أو معتدلة يتعافون منها دون الحاجة إلى علاج خاص. فالأخذ بسبل الوقاية، والتدابير الصحية كافية دون الحاجة لإغلاق المساجد وتعطيل الصلوات فيها، والشاهد والحال قائمان.
واستدلوا بقوله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا) [الأحزاب:58].
وجه الدلالة: تحريم أذية المسلم من قول أو فعل بغير وجه حق، وإقامة الجمع والجماعات من أسباب نقل عدوى كورونا من المرضى إلى المعافين، وهذه أذية بغير جناية يستحقونها.
وأجيب عنه: أن المصابين لا يحل لهم مخالطة الأصحاء، وكذا من اشتبه بإصابته بأن ظهرت عليه بعض أعراض المرض، أما إغلاق المساجد لمجرد اتباع الظن والخرص باحتمالية انتقال العدوى فلا يُسلَّم به، كما أن تطبيق الإرشادات الوقائية كافية دون الحاجة لإغلاق المساجد وتعطيلها.
واستدلوا بعموم الأعذار التي تبيح التخلف عن الجمع والجماعات، مثل:
1- الخوف: فإن صلاة الجماعة تسقط لخوف على نفس أو مال أو عرض، لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر) قالوا: وما العذر؟ قال: (خوف أو مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلى) أبو داود (551)، وسنن الدار قطني (1557)، و[مستدرك الحاكم 1/373].
وجه الدلالة: أن الخوف على النفس مما يؤذيها سبب مبيح في ترك الجمعة والجماعة، ومما هو معلوم أن فيروس كورونا أضمر في الناس مخافة، ونالتهم عنه وهلة شديدة؛ فيكون عذرًا لهم في التخلف عن الجمع والجماعات.
2- التأذي: من مطر يغسل الرؤوس، أو برد يزوي الوجوه، أو وحل يلوث الثياب، أو ظلمة كغراب الشباب، لما روي أن ابن عمر -رضي الله عنهما- أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر، يقول: (ألا صلوا في الرحال) البخاري (666)، ومسلم (697).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: (أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض) مسلم (699).
وجه الدلالة: أن السنة قد دلت على الأمر بترك الجماعات تفاديًا للمشقة الحاصلة بسبب المطر والبرد وغيرهما مما ورد، ولا شك أن خطر فيروس كورونا أعظم من مشقة الذهاب للصلاة مع المطر والوحل، أو الريح والبرد؛ فالترخص بترك الجمع والجماعات في المساجد عند حلول الوباء ووقوعه: أمر شرعي مسلم به عقلًا وفقهًا.
3- حضور طعام تشتهيه العين، أو مدافعة أحد الأخبثين: وهي أعذار تبيح التخلف عن الجماعة، لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان) مسلم (560).
وجه الدلالة: إذا حضرت الصلاة والطعام، أو احتيج إلى الخلاء، كرهت له الصلاة حتى يفرغ من طعامه، ويقضي حاجته؛ ليكون أفرغ لقلبه، وأحضر لباله، ولا شك أن حضور الجماعة في المساجد في ظل وباء كورونا أبعد للخشوع، وحنين الضلوع، وذرف الدموع !
4- أكل ذي رائحة كريهة، أو إصابة عطور منتنة قبيحة: فمن أكل الثوم وشبهه، ومثله من عمل بحرفة منتنة كالجزار ونحوه، أبيح له التخلف عن حضور المساجد، لحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل ثومًا أو بصلًا، فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته) البخاري (7359)، ومسلم (564).
وجه الدلالة: أن هذا الحديث يمنع صاحب الرائحة الكريهة من دخول المسجد كي لا يؤذي المصلين برائحته؛ فكيف بمن يمكن أن يتسبب لهم في المرض أو الموت، أو يمكن أن يجلب ذلك لنفسه؟
وأجيب عن هذه الأدلة: أن الضرر الناتج عن انتشار وباء كورونا أشد وأعم من الضرر الناشئ عن الأعذار المذكورة، ولا شك أنه يصح إلحاق الأول بالثاني في الحكم، بقياس جلي من باب أولى، فلا نزاع في ذلك البتة.
ولكن الوهم قد اعترى أصحاب الفتوى فأعطوا الفرع حكمًا لم يثبت لأصله، ألا وهو تعطيل المساجد ومنع الصلاة فيها. ذلك أن الحكم الثابت للأصل والذي لا نزاع في صحة إلحاق الفرع به هو مجرد الرخصة في التغيب لمن شاء ومشروعية إشهار ولي الأمر لتلك الرخصة، ولا يمكن بأي منطق أصولي أو استدلالي سليم أن يعطى الفرع حكمًا لم يثبت للأصل المقيس عليه. [مقالة: هوامش على متن فتاوى تعطيل المساجد، للشيخ محمد سالم دودو، بتاريخ:23 / 7 / 1441ه].
واستدلوا بحكاية الإجماع على إباحة التخلف عن الجماعات لذوي الأعذار.
انظر: [الأوسط لابن المنذر 4/17]، و[إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض 2/625]، و[المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي 5/155]، و[نيل الأوطار للشوكاني 3/150].
وأجيب عنه: بعد التسليم بما نقل من دلالة الإجماع على رفع الضرر، وانتفاء الحرج، وإقامة الأعذار واعتبار الرخص، والعمل بذلك؛ فإن إجماعًا آخر يتعين العمل به، وهو إجماع صحيح صريح منعقد بطريق قطعي من إقامة الجمع والجماعات -كما سيأتي معنا- سواء من قال بالسنية للجماعات، أو من قال بالفرضية؛ لأن الكل متفق على المنع من التعطيل.
وعليه؛ فلا يعد التعطيل تصرفًا مبنيًا على إعمال الأدلة، أو الجمع بينها، وإنما يعد مخالفة للنصوص، ولما انعقد عليه الإجماع.
وما توهم من تعارض مدفوع، ومناط التعطيل الكلي لا وجود له؛ سواء في نصوص الشريعة، أو في إجماعات رفع الضرر، وانتفاء الحرج. [نازلة تعطيل المساجد، للدكتور محمد يسري إبراهيم، ص:123].
القول الثاني: منع إغلاق المساجد وتعطيل الصلوات، وبه أفتت:
– “رابطة علماء المسلمين” في بيانها الصادر في 20 / 7 / 1441 ه
– “رابطة علماء ودعاة سورية” في فتوى لها بتاريخ 16 / 11 / 1441 ه
– “دار الإفتاء الليبية” في بيانها الصادر في 18 / 7 / 1441 ه
وهو قول جمع غفير من العلماء، وجمهور كبير من الفقهاء.
واستدلوا بقوله تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) [البقرة:114].
وجه الدلالة: الذم الشديد، والوعيد الأكيد، لكل من صد الناس عن المساجد، وأغلق أبوابها أمام الخطيب والمدرِّس والعابد؛ فهي الجريمة البشعة، والسوءة الشنعة، وإغلاقها لأجل وباء كورونا يدخل في الظلم والجراءة على مساجد الله والسعي في خرابها.
وأجيب عنه: أن الذم البليغ إذا كان إغلاقها لغير ضرورة، أما إغلاق المساجد مؤقتًا بسبب جائحة كورونا فهي للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، فإذا زال الوباء والوبال، كُسِّرت الأقفال !
ويجاب عنه من وجهين: الأول: أن تعطيل المساجد بدعوى تفشي الأوبئة لا دليل عليه من كتاب، أو سنة، أو إجماع.
الثاني: أن كل التوجيهات والإرشادات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية وغيرها تؤكد أن الفيروس يمكن الحد من تفشيه باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة. فلا ضرورة تستدعي إغلاق المساجد وتعطيلها لا دائمًا ولا مؤقتًا.
واستدلوا بقوله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال) [النور:36].
وجه الدلالة: أن “الرفع” في الآية يكون حسًا بالبناء، وحكمًا بتطيرها من الدنس والإيذاء؛ فلا يجوز إغلاق بيوت الله ومواطن عبادته بعد عمارتها وفتحها؛ إذ يعد ذلك نقضًا لوظائفها، وتعطيلًا لدورها عن الجماعات، وهي من أعظم الشعائر، وإبطالها من أكبر الكبائر !
واستدلوا بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر) ابن ماجه (793)، وأبو داود (551).
وجه الدلالة: أنه لا رخصة للمسلم المكلف في ترك الجماعة سواء جعلناها فرض عين، أو سنة، أو فرض كفاية، إلا إذا كان ثمَّ عذر فتثبت الرخصة في حق أهل الأعذار دون غيرهم، ولا يصح إغلاق المساجد في وجوه المصلين ممن لم يثبت لهم عذر.
واستدلوا بحديث ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواده: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين) ابن ماجه (794)، وعند مسلم (865) بلفظ: (الجمعات).
وجه الدلالة: الوعيد والطبع والعقاب والختم على تارك الجمعة والجماعة؛ إذ مثل هذا الوعيد التي تنماث منه القلوب، وتتزايل من هوله المفاصل، لا يكون إلا على ترك شعيرة عظيمة من شعائر الدين، وركيزة أساسية من ركائز الإسلام المتين؛ فلا يتصور تعطيل هذه الشعائر العظيمة لمجرد أحاسيس وقعت في أخلاد المتوهمين، وسبقت إلى ظنون المشككين !!
واستدلوا بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) البخاري (644)، ومسلم (651) واللفظ له.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بتحريق البيوت على من لم يشهد الصلاة جماعة؛ فكيف بتعطيل الجماعات وإلزام الناس بالصلاة في بيوتهم، وهل هذا إلا من فساد الأوهام، والجراءة على شعائر الإسلام ؟!
واستدلوا بإجماع العلماء الأعلام، وفقهاء الإسلام، على أنه لا يجوز أن يُجتمع على تعطيل المساجد كلها من الجماعات.
انظر: [مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 1/315]، و[التمهيد لابن عبد البر 18/333]، و[الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان 1/174].
وعليه؛ فلا يجوز تعطيل الجماعات في القرى والمحال ونحوها؛ فكيف بتعطيلها في كل البلاد، والتحذير منها والابتعاد، والزعم بأنها منبع الأمراض للأجساد، والناس لهذه التخيلات في انقياد … ويكفي المسلم أن تنقدَّ ضلوعه من قول الإمام ابن حزم -رحمه الله- : (ولا إثم بعد الكفر آثم من تعطيل الصلوات في المساجد، فحرام علينا أن نعين على ذلك) [المحلى 3/130].
الترجيح: الذي يظهر -والله أعلم- أن أرجح القولين، وأدناهما من الصحيح، وأبعدهما من القبيح، هو القول الثاني القائل بمنع إغلاق المساجد وتعطيل الجمع والجماعات، وذلك للأسباب التالية:
1- المتأمل يجد أن القول بالتعطيل الكلي للمساجد ليس عليه دليل أثري، ولا دليل نظري، والمسألة ليس فيها لبك ولا إبهام، ولا استسرَّت معالمها خلف الغمام؛ إذ التفريق بين رخصة أهل الأعذار وبين التعطيل الكلي للجمع والجماعات أوضح من عمود الصبح !
2- المعطيات الطبية والواقعية -حتى يومنا هذا- تؤكد أن فيروس كورونا لم يبلغ درجة الخطر بحيث تغلق أمامه أبواب المساجد وتعطل الجمع والجماعات؛ فلا حجة في استدلالهم أن المساجد مواطن الهلكة، والجمع والجماعات للمصلين مهلكة.
ولو كانوا حريصين على أرواح الناس لأغلقوا كافة المراكز والأسواق والمؤسسات والشركات؛ ولكنهم جعلوا المساجد أحب بقاع الله إليه أهونها عندهم، وأقربها من قوانينهم، وأبعدها من حياتهم.
3- قوة أدلة الفريق الثاني ووضوحها، فكانت سليمة من العتاب، ولم يخلطوا الليل بالتراب، والاعتراضات التي ذكرها الفريق الأول لا تقوى على إبطال ما أوردوه من أدلة الوحيين، أو نقض ما نقلوه من إجماع العلماء الربانيين.
4- فتوى الفريق الأول بتعطيل المساجد وترك أصحاب القرار شأنهم وما يريدون سيفتح الباب على مصراعيه في قادم الأيام ليركب أحدهم سجيحة رأسه متمردًا على دين الناس بين: تعطيل، وتحريف، وتأويل !
يقول الشيخ محمد سالم دودو: (أغفلت هذه الفتاوى النظر إلى مآلات الفتاوى نفسها، وما سيترتب عنها لا محالة من تجرئة كثير من الحكام المستهترين على إغلاق المساجد بدعوى جلب المصالح ودرء المفاسد، وتسلط بعضهم عليها لأتفه الأسباب وأشدها ضبابية، كتصنيفها بؤرًا للإرهاب والتطرف، أو الكراهية ومعاداة السامية، أو مناهضة حقوق الإنسان والتحريض على الأقليات ومخالفات المعاهدات الدولية … وغيرها من قوالب التهم الجاهزة. وسيكون إغلاقها اليوم تحسبًا للضرر المتوقع من كورونا دليلًا جاهزًا غدًا لوجوب إغلاقها في تلك النوازل “المحققة” الأضرار بزعمهم) [مقالة: هوامش على متن فتاوى تعطيل المساجد، بتاريخ:23 / 7 / 1441ه]. بتصرف يسير جدًا.
5- أن المساجد أماكن الطمأنينة، والخشوع والسكينة، تدفع عن المصلين الوساوس الشيطانية، والهواجس النفسانية، فيها يرجع العاصون لربهم الرحيم، ويتقرب الصالحون للمولى الكريم، وإن الله أمر عباده في نوائبهم بالفزع إلى الصبر والصلاة فقال سبحانه: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) [البقرة:45]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وكانوا -الأنبياء- إذا فزعوا، فزعوا إلى الصلاة) [مسند أحمد 39/349].
وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى) أبو داود (1319).
والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.
وكتبه/ عبد الرحمن الحميدي الشامي