الشيخ عبدالرحمن الحميدي الشامي
[تاريخ تعلم المرأة وتعليمها في الإسلام]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، أما بعد:
يبدأ تاريخ العلم والدعوة والأدب للمرأة المسلمة منذ بزوغ فجر الإسلام، وانتهاء عصر الجاهلية والأوثان، تاريخ مشرق مشرِّف يحمل بين صفحاته قممًا سامقة، ونماذج قدوة، لا تخطر ببال، ولا تمر على خيال، فدائمًا كانت المرأة المسلمة بحرًا لا تكدره دلاء الصادر والوارد، والجاهل والحاقد، والخبيث والمعاند، فهي التي يضرب بها المثل، ولتاريخها وشرفها أثل، وإذا أردنا الحديث عن هذه النماذج فلا تسعها آلاف الصفحات، ولا بعض المجلدات، ونحن في موضع اقتصار واختصار، وعدم زيادة وإكثار، وخير الكلام ما قل ودل، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
جاء في موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام [49-11/48]: (إن تاريخ ومكانة المرأة المسلمة في ظل الحضارة الإسلامية، وقبل أن يقع العالم الإسلامي في براثن أعدائه من شرق وغرب، كان تاريخًا مشرفًا في العلم والتعلم والتعليم، إن المرأة المسلمة برزت في مجالات العلم وبخاصة العلوم الإسلامية حتى بلغ بعضهن في تلك العلوم شأوًا بعيدًا، إن الإسلام لم يكتف بأن يجيز للمرأة أن تتعلم ما شاءت من علوم الدين والدنيا، بل أوجب عليها ذاك كما أوجبه على الرجل، وقد كانت النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمن كالرجال، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد حددن لهن موعدًا يحضرن فيه للعلم والتعلم، كما ورد ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته.
وكان بعض أزواجه صلى الله عليه وسلم كأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- يؤخذ عنها العلم، وكانت بذلك تعلم عددًا من الرجال الذين كانوا يتوجهون إليها بالسؤال عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، كما كانت تعلم عددًا لا بأس به من النساء، وكان لبعض زوجات النبي صلى الله عليه وسلم معرفة بكثير من قضايا التفسير لبعض آيات القرآن الكريم، وكثير من مسائل الفقه.
إن الإسلام حرض النساء على طلب العلم والتعلم كما أسلفنا، وبعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان لبعض النساء المسلمات قدم راسخة في العلم، ولم يكن عددهن قليلًا في أي قرن من القرون التي كانت الحضارة الإسلامية فيها مزدهرة) انتهى.
قلت: قد ترجم كثير من أهل العلم تراجم لعالمات، ومحدثات، وحافظات، وفقيهات، كالذهبي في “سير أعلام النبلاء” و “تاريخ الإسلام” ، والخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد”، والسمعاني في “التحبير في المعجم الكبير”، وابن خلكان في “وفيات الأعيان”، والنووي في “تهذيب الأسماء واللغات”، وابن عبد ربه في “العقد الفريد”، وابن العماد الحنبلي في “شذرات الذهب في أخبار من ذهب”، وابن حجر العسقلاني في كتبه “الإصابة في تمييز الصحابة” و “إنباء الغمر” و “المطالب العالية” و “الدرر الكامنة”، وابن عساكر في”تاريخ دمشق”، والطيب بامخرمة في”قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر”، والزركلي في “الأعلام”، والسخاوي في “الضوء اللامع”، وتقي الدين الفاسي في”العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين”… وغيرهم كثير.
كما استطاع المؤرخ السوري عمر رضا كحالة أن يضيف لبنة من ذهب إلى لبنات هذا الفن، وكنزًا إلى كنوز المكتبة الإسلامية، في موسوعته (أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام) في خمسة مجلدات، وقد ترجم لقرابة ألفي امرأة، حيث مكث الباحث فيها ردحًا من الزمن، منقبًا في بطون الأسفار المطبوعة والمخطوطة؛ حتى استطاع تقديم موسوعته للناس والتي جمع فيها عددًا هائلًا من أعلام النساء، اللاتي خلدن في مجتمعي العرب والإسلام أثرًا بارزًا في: العلم والحضارة، والإبداع وحسن الإدارة، والأدب والبلاغة، والسياسة والدهاء، والعفة والحياء، والنفوذ والسلطان، والبر والإحسان، والزهد والإيمان … كل هذا منه لتكون موسوعته مرشدًا للباحثين في بحثهم، ومعينًا يخفف عنهم بعض العناء الذي يصادفونه خلال التفتيش والسؤال والتنقيب.
وكان أيضًا للكاتب والمؤرخ السوري محمد خير يوسف دورًا مهمًا في الدفاع عن هذه القضية، فقام بتصنيف بعض الكتب المفيدة، والتي تعتبر صغيرة الحجم؛ لكنها ثقيلة المادة، منها: (المؤلفات من النساء ومؤلفاتهن)، و(قارئات حافظات)، و(فقيهات عالمات) وغيرها.
فهذه المصنفات وغيرها تدل بشكل واضح على عصور من الازدهار للنساء، وعالمات انتشرن في كل الأرجاء، يفتخر بهن الأمهات والآباء، فمنهن من كانت أهلًا للإفتاء، ومنهن من كانت أهلًا للاقتداء، ومنهن من كانت من أهل الحكمة والذكاء، فكن في أزمنة الجهل السوداء، نجومًا يهتدى بهن في السماء.
وإذا أردنا أن نضرب بعض الأمثلة، على مر التاريخ والأزمنة، تدلنا على مكانة المرأة العلمية، ومشاركتها التعليمية، فلا يمكننا إلا البدء بأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنها- ، العالمة الحافظة، والحكيمة الفقهية، والفطنة اللبيبة، معلمة النساء والرجال، ومربية الأجيال، يرجع إليها الناس عند الأزمات، ووقوع المشتبهات، والقضايا المزعجات، فكانت لهم نورًا في الظلمات، ويقينًا في المدلهمات، وطمأنينة في المشكلات، صُنفت في مناقبها وآثارها عشرات المصنفات، وملأت شخصيتها وفقهها رفوف المكتبات، فكان أثرها في الأمة ظاهرًا في الحياة وبعد الممات.
كانت -رضي الله عنها- عالمة بالقرآن الكريم وعلومه، وكان لها مصحف خاص بها، جمعت إلى القرآن تفسيره، لذا كان بحجم المصحف ثلاث مرات. [الإتقان في علوم القرآن 1/96].
وتعد أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- من كبار المحدثين، وحفاظ السنة النبوية، وإن الذي وصلنا مما روته ألفان ومائتان وعشرة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم منها على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، ومسلم بثمانية وستين. وقد امتازت عن غيرها من الصحابة أنها سمعت تلك الأحاديث مشافهة من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت تحافظ على رواية الحديث باللفط لا بالمعنى.
انظر: [الإجابة للزركشي، ص:40]، و[موسوعة فقه عائشة لسعيد الدخيل، ص:85-87].
وكانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في الفقه يشار إليها بالبنان، غزيرة العلم، ذكية الفهم، كثيرة النظم، أشهر من نار على علم.
قال الذهبي -رحمه الله- : (أفقه نساء الأمة على الإطلاق) [سير أعلام النبلاء 2/135].
وقال مسروق: رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض.
وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة.
وقال هشام بن عروة، عن أبيه: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه، ولا بطب، ولا بشعر من عائشة.
وقال أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه: ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علمًا.
وقال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء؛ لكان علم عائشة أفضل.
وأسند الزبير بن بكار عن أبي الزناد، قال: ما رأيت أحدًا أروى لشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك! فقال: ما روايتي في رواية عائشة؟ ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرًا. [الإصابة لابن حجر العسقلاني 8/233].
وإذا أردنا أن نكمل سرد بقية أسماء عالمات وفقيهات الأمة، فهذا أمر متعذر، وباب من الكلفة شاق، فمن أين نبدأ ومن أين ننتهي ؟!
– فتلك الفقهية الحنفية الجليلة: فاطمة بنت علاء الدين السمرقندي الحنفي صاحب “تحفة الفقهاء”، كانت تخرج الفتوى من بيت والدها وعليها خطها وخط والدها، وقد قام الإمام أبو بكر بن مسعود بن أحمد علاء الدين الكاساني الملقب بملك العلماء، بشرح تحفته في “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع” فكان شرحًا عظيمًا طابق اسمه معناه، أعجب به أستاذه علاء الدين السمرقندي فزوجه ابنته فاطمة، فقالوا: شرح تحفته فزوجه ابنته، وبعدها كانت الفتوى تخرج وعليها خطها وخط والدها وخط زوجها.
– وتلك الفقيهة الحنفية: أسماء بنت أسد بن الفرات القيروانية، والدها عالم إفريقية وقاضيها، وصاحب الإمامين أبي يوسف ومالك بن أنس، وكانت تشارك في السؤال والمناظرة، واشتهرت بالفضيلة، ورواية الحديث، والفقه على رأي أهل العراق أصحاب أبي حنيفة.
– وكانت العالمة الجليلة، والفقيهة المالكية: خديجة القيروانية، تستفتيها نساء عصرها في مسائل الدين، ومعضلات الأمور، وكان والدها الحبر، والعلامة البحر: سحنون التنوخي المالكي، يستشيرها في مهمات أموره، وكذا أخوها العلامة محمد.
– وقامت فاطمة الفهري ببناء أقدم جامعة في العالم “جامعة القرويين”، وقامت أختها مريم ببناء جامع الأندلس، وبذلك يتبين أن بناء أقدم مؤسسة للتعليم العالي والأبحاث، كانت على يد امرأة مسلمة.
– وعندنا الفقهية الشافعية، والعالمة المفتية: ستيتة بنت القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، كانت من أحفظ الناس للفقه الشافعي، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة، وكانت فاضلة في نفسها، كثيرة الصدقة، مسارعة في الخيرات، حدثت وكتب عنها الحديث.
– وعندنا أيضًا الفقيهة الشافعية: زينب بنت محمد الغزي، والدها هو الإمام الفقيه البدر الغزي، وأخوها المؤرخ والأديب النجم محمد بن محمد الغزي، وأروي أنا عنهما من طرق كثيرة، وكانت زينب من أعاجيب العصر، وأفاريد الدهر.
– وعندنا الفقيهة الحنبلية، وعالمة أهل دمشق: أمة اللطيف بنت الناصح عبد الرحمن بن نجم ابن الحنبلي، والدها شيخ الحنابلة بعد ابن قدامة، كانت فاضلة صالحة عفيفة، لها تصانيف ومجموعات.
– وعندنا المسندة الحنبلية، وست القضاة: أم محمد مريم بنت عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن، كانت من أهل الخير والفضل، ومن العالمات بالحديث، ولها كتاب مشهور: مسند أمة الله مريم بنت عبد الرحمن الحنبلية جزء من 24 رواية، تحقيق وتعليق: مجدي السيد إبراهيم. وخرج لها الشهاب ابن حجر العسقلاني “معجم الشيخة مريم” وتقع في اثنتي عشرة مجلسًا، وهو مطبوع من تحقيق: محمد عثمان.
فهذا غيض من فيض في ذكر بعض النماذج لعالمات من مختلف المذاهب، ومن مختلف البلدان، ومن عصور مختلفة، تدلنا على عصور عديدة، وأزمنة مديدة، من تاريخ مشرق للمرأة المسلمة، ومساهمتها في تشييد صروح العلم والمعرفة في العالم الإسلامي.
كما أن دور النساء في الإسناد والإجازة ظاهرًا بارزًا، فالمرأة كانت ولا زالت حتى يومنا هذا تجيز الرجال، والرجال يجيزونها، تدرسهم ويدرسونها، ولطالما كان العلماء يفتخرون بهذا ويذكرونه في أسانيدهم، وهذا كثير جدًا في كتب الأثبات والإجازات والمشيخات والفهارس والمعاجم … يطول ذكرها، ويصعب حصرها، وينظر على سبيل المثال لا الحصر:
– “تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة”، ويسمى: “المعجم المفهرس” للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، وأرويه من طرق كثيرة، منها: عن شيخنا العلامة محمد الحسن بن الددو الشنقيطي، عن جده محمد علي بن عبد الودود المباركي الهاشمي، عن يحظيه بن عبد الودود الجكني، عن محمد بن محمد سالم المجلسي الأموي، عن حامد بن عمر، بن الفقيه الخطاط البارتليين، عن القاضي ابن علي ممه السباعي، عن شيخ الشيوخ الفاضل بن أبي الفاضل الحسني، عن علي الأجهوري، عن البرهان العلقمي، عن الجلال السيوطي، عن زكريا الأنصاري، عن ابن حجر العسقلاني.
– “فهرس الفهارس” للعلامة محمد عبد الحي الكتاني، وأروي ثبته من طرق كثيرة، منها: عن العلامة محمد الأمين بوخبزة التطواني، والشيخ المعمر عبد الرحمن الكتاني، والشيخة الشريفة نزهة بنت عبد الرحمن الكتانية، والشيخ المعمر عياض البوعبدلي الجزائري، والشيخ المعمر محمد بن أبي بكر الحبشي كلهم، عنه.
– “معجم المعاجم والمشيخات والفهارس والبرامج والأثبات” للشيخ المسند الدكتور يوسف المرعشلي، وأرويه عنه مباشرة.
ولم تقف بالمرأة المسلمة قريحتها عند حد النبوغ في العلوم الشرعية، فقد أخذت بنصيب موفور، من مختلف العلوم والفنون، الظاهر منها والمكنون … فقد كان للمرأة المسلمة منذ العهد الأول دورًا بارزًا في علوم الطب، فالصحابية رفيدة الأسلمية -رضي الله عنها- جعل لها النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد، تقوم فيها على المرضى، وتدواي الجرحى.
انظر: البخاري (463)، ومسلم (1769)، والترمذي (1582)، والنسائي (710).
واشتهرت بالطب أيضًا زينب طبيبة بني أود، كانت عارفة بالأعمال الطبية، خبيرة بالعلاج، ومداواة آلام العين، والجراحات، مشهورة بين العرب بذلك. [عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ص:181].
وكانت أخت أبي بكر بن زهر الحفيد وبنتها عالمتين بصناعة الطب، وقد اشتهرتا بالأندلس. [تاريخ البيمارستانات في الإسلام للدكتور أحمد عيسى، ص:16].
وكانت أم الحسن بنت القاضي أحمد بن عبد الله بن عبد المنعم أبي جعفر الطنجالي من أهل لوشة، بلدة بالأندلس، تجود القرآن، وتشارك في فنون من الطب، وإفراد مسائل الطب، وتنظم الشعر. [المرجع السابق، ص:17].
وأما اشتهار النساء بالشعر فحدث ولا حرج، فلهن اليد الطولى، منذ القرون الأولى، ودونك -أخي القارئ- أسماء بنت أبي بكر، وأروى بنت عبد المطلب، وأروى بنت الحارث، وأمامة الربذية، وأم العلاء بنت يوسف الحجازية، وبدر التمام بنت الحسين، وأم الكرام بنت المعتصم، وأم السعد القرطبية، وغيرهن كثير.
بل حصر أسمائهن أصعب من كل صعب مطلبًا، يقول السيوطي -رحمه الله- : (هذا جزء لطيف في النساء الشاعرات المحدثات، دون المتقدمات من العرب العرباء من الجاهليات، والصحابيات، والمخضرمات؛ فإن أولئك لا يحصين كثرة) [نزهة الجلساء في أشعار النساء للسيوطي، ص:23].
كما أن دور المرأة كان حاضرًا في الأدب والبلاغة، والرجاحة والفصاحة، والبيان والبراعة … فعندنا الصحابية هند بنت عتبة، أشهر من نار على علم. وزينب بنت علي بن أبي طالب، كانت لبيبة جزلة، خطيبة، فصيحة، رفيعة القدر. وعندنا عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، كانت أديبة، فصيحة، عالمة بأخبار العرب. وعندنا عائشة بنت أحمد بن محمد بن قادم، لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعادلها فهمًا وعلمًا وأدبًا وفصاحةً وشعرًا. وكذا الأديبة والشاعرة نزهون بنت القلاعي الغرناطية، ودنانير جارية ابن كناسة، ومؤنسة بنت محمد بن علي بن البيطار، وحفصة بنت حمدون الأندلسية، وورقاء بنت ينتاب، وعائشة الباعونية، ونزهة بنت القليعي، ونضار بنت محمد بن يوسف، وغيرهن كثير.
فدور المرأة كان دائمًا حاضرًا في العلم والثقافة والأدب، ولولا أن بحثي مصروفًا عن الإسهاب الممل إذ كان مطية العثار والإرداء؛ لقمتُ بسرد أسمائهن، وذكر تراجمهن.
وسنعرض بعض الشهادات المنصفة حول تعليم المرأة في ظل الحضارة الإسلامية، من أحرار الفكر الذين أدوا حق الشهادة في ذلك.
– يقول ايتين دينيه: (إن تعاليم المرأة يساير كل المسايرة جميع تعاليم الدين، وقد كان في عصر ازدهار الإسلام يفاض فيضًا على المسلمات، وكانت ثقافتهن حينذاك أرفع من ثقافة الأوربيات دون جدال) [أشعة خاصة بنور الإسلام، ص:33].
– ويقول ول ديورانت: (كانت البنات يذهبن إلى المدارس سواء بسواء، ونبغ عدد من النساء المسلمات في الأدب والفن) [قصة الحضارة 13/306].
– ويقول جاك ريسلر: (يقوم تعليم البنات على تلقينهن تربية دينية قويمة، وعلى تعويدهن الصلاة، وجعلهن في وقت مبكر صالحات للأعمال المنزلية، وبعد سنوات أيضًا يعلمن قرض الشعر والفنون) [الحضارة العربية، ص:54].
-ويقول مارسيل بوازار: (كانت المرأة تتمتع بالاحترام والحرية في ظل الخلافة الأموية بإسبانيا، فقد كانت يومئذ تشارك مشاركة تامة في الحياة الاجتماعية والثقافية) [إنسانية الإسلام، ص:108].
– ويقول كوستاف لوبون: (النساء المسلمات قد أخرجن في الدهر الغابر من المشهورات العالمات بقدر تخرج مدارس الإناث في الغرب اليوم) [الإسلام والحضارة العربية 1/83].
– وتقول إيفلين كوبولد: (لم تكن النساء -المسلمات- متأخرات عن الرجال في ميدان العلوم والمعارف، فقد نشأ منهن عالمات في الفلسفة، والتاريخ، والأدب، والشعر، وكل ألوان الحياة) [البحث عن الله، ص:51].
– وتقول زيغريد هونكه: (سار الركب وشاهد الناس سيدات يدرسن القانون والشرع، ويلقين المحاضرات في المساجد، ويفسرن أحكام الدين. فكانت السيدة تنتهي دراستها على يد كبار العلماء، ثم تنال منهم تصريحًا لتدرس هي بنفسها ما تعلمته، فتصبح الأستاذة الشيخة، كما لمعت من بينهن أديبات وشاعرات، والناس لا ترى في ذلك غضاضة، أو خروجًا عن التقاليد) [شمس العرب تسطع على العرب، ص:470].
وإن ما نراه اليوم -للأسف!- من إهمال كثير من المسلمات لطلب العلم ما يدمي القلب، ويندى له الجبين، ولا يُرضي رب العالمين، فأصبح اهتمام المرأة المسلمة بالزينة واللباس، والذهب والألماس، والحفلات والأعراس؛ حتى هبط مستوى المرأة المسلمة في ميدان العلم، وعادت الجاهلية الأولى، وحسبنا الله المولى.
يقول محمد الغزالي: (مع اضمحلال الفكر الديني في الأعصار المتأخرة هبط المستوى الإنساني للمرأة هبوطًا مخجلًا في ميدان العلم والأدب، وعادت الجاهلية الأولى تنشر مآثرها ونزعاتها !
بل إننا نقرأ كلمات للنساء الأوّل يستحيل أن تكون لها نظائر على لسان النساء في أعصار التخلف الأخيرة..) [المرأة في الإسلام، ص:29].
ويقول أيضًا: (والحق أن المرأة العربية في الجاهلية الأولى برزت شمائلها الحسان في ميادين كثيرة أيام الحرب وأيام السلم على سواء، ولم توضع أمامها العوائق التي وضعت أمام المسلمات في عصور الانحطاط العام للأمة الإسلامية) [المرجع السابق، ص:34].
من كتابي: (الإملاء في استحباب التعلم والكتابة للنساء، ص:81-102).
عبد الرحمن الحميدي الشامي
عضو رابطة علماء ودعاة سوريا