ماذا سيخسر العالم والدنيا بموتك؟
سؤال ينبغي أن يوجه لكل واحدً منا، سؤال مهم نحتاج إلى مصارحة أنفسنا به وعرض أحوالنا عليه، فهل وقف أحدنا وسأل نفسه؟ هل سيخسر العالم شيئاً؟ أم أنه سيرتاح لأنك كنت عبئاً عليه؟.. هل سيخسر أهلك وجيرانك ومجتمعك بموتك شيئاً؟ هل لك قيمة في الحياة حتى يحزن الناس لرحيلك؟ هل قدمت شيئاً مميزاً تذكر فيه؟ هل لك بصمات خير تدعوا لك أصحابها بعد رحيلك؟
لقد اقتضت حكمة الله في هذه الحياة الدنيا وفي خلقه أن قيمة المرء عند الله وعند الناس لا تقاس بطول الأعمار ولا بكثرة الأموال والأولاد والأتباع ولا تقاس قيمة المرء بما يأكل أو يلبس أو يركب أو بما يمتلك من دور وقصور وحدائق وأنهار.. إنما تقاس بما يقدم من إنجازات ومنافع وعطاءات تعود على مجتمعه وأمته بالخير والصلاح، وقد قال الإمام علي رضي الله عنه “وقيمة كل امرئ ما يحسنه” لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أوتقضي عنه ديناً، أوتطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً”، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم”.
فقيمة المرء أن لا يعيش لنفسه وحسب بل يعيش من أجل الآخرين أيضاً فيساعد ويبذل ويضحي وينصح ويشارك في حمل الهموم وتفريج الكروب عن الآخرين ما استطاع إلى ذلك سبيلا، قال تعالى وهو يصف هؤلاء الناس: “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ”، وفي الحديث: “المؤمن كل الغيث أينما وقع نفع”. هناك من تتألم الأرض عند فقدهم وتبكي عليهم بندم المشتاق، وتهتز السماء حزناً على فراقهم وانتهاء حياتهم لأنهم أدركوا حقيقة الحياة والاستخلاف في الأرض وقاموا بواجباتهم بل تنازلوا عن الكثير من حقوقهم وحظوظهم وقدموا منافع ومصالح مجتمعاتهم وأوطانهم فعاشوا عظماء من علماء ومصلحون وملوك ورؤساء وتجار وأصحاب وجاهات وهناك أساتذة جامعات وأطباء ومعلمون ومهندسون وناس بسطاء كانت تسعدنا ضحكتهم وكانت كلماتهم اللطيفة تدخل قلوبنا مباشرةً، ذلك لانهم كانوا صادقين في ذلك.. وبعد مماتهم لم تنتهي حياتهم بل ما زالت مآثرهم وأعمالهم تتحدث عنهم وما زالت الألسن تلهج بذكرهم والثناء عليهم، فكم من أنُاس ليس لهم كثير عمل ولكن تركوا بصمات في أمور صغيرة لا تنتسى من حياتنا.
فلقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه ولم يكن بين إسلامه وبين موته إلا سنوات قليله ست سنوات فقط جعلت منه صاحب مقام عظيم عند الله عز وجل، فماذا فعل حتى نال ذلك الحب؟.. فكان نعم الرجل الرشيد في قومه الحريص على دينه المجاهد في سبيل ربه، قائم الليل وقارئ القرآن والمنفق في سبيل الله، جرح في عزوة بني قريظة وانفجر جرحه ومات فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم “أن عرش الرحمن اهتز لموته فقد قال أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وجنازةُ سعدٍ موضوعةٌ اهتزَّ لها عرشُ الرحمنِ فطفِقَ المنافقونَ في جنازتِهِ وقالوا ما أخَفَّها فبلغَ ذلكَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال إنَّما كانت تحملُهُ الملائكةُ معهم”.
وهذا نموذج آخر طيب من تلك النماذج الطيبة: أنه الأستاذ والدكتور الذي أفنى حياته في حب الله والدعوة إلى الله وجعل عمله كله لله ضمن مجاله أنه الدكتور (عبد الله السميط) الذي فتح قلوب ملايين البشر في أفريقيا من خلال عمله وفتح المدارس والمشاريع والمشافي بالالاف، ومازال الناس يدعون له ويترحمون عليه لماذا؟ لأنه عمل صالحا ومات صالحا فسوف يبقى ذكره كذكر الصالحين إن شاء الله.
وأنت أخي وأختي في الله، فماذا سيخسر العالم بموتكم؟ ماذا قدمتم لدينكم وأمتكم ومجتمعكم؟ وإن لم تقدموا شيئاً فهل سلم الناس من لسانكم ويدكم؟ هل كنتم سبباً في أذى أحد من الناس.. هل كنت سبباً في ظلمهم وسفك دمهم ولو بكلمة؟ هل وقفتم مع الحق ولو كان مراً؟ إن علينا أن نستغل أعمارنا.. أو تكون الحسرة والندامة قال تعالى: “أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ”. لو نظرنا حولنا لوجدنا أن الدنيا من حولنا بجميع مخلوقاتها لتدرك أهمية ما يقدمه الإنسان ويقترفه من خير أو شر وتتأثر وتحزن وتتألم حتى الدواب ترتاح من موت الفاجر، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: “مستريح ومستراح منه”. فقالوا: يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: “إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب” إذا مات المؤمن بكى عليه موضع سجوده، وبكى عليه موضع ممشاه إلى الصلاة، وبكى عليه موضع مصعد عمله إلى السماء، وأما الذين أجرموا وكفروا ونافقوا: “فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين”. إن الفاجر يلعنه كل شيء حتى اللقمة التي يرفعها الى فمه وتلعنه الدواب ، فالفجور نقمة على العباد والبلاد والدواب والعياذ بالله.
معشر الشباب المسلم أنصحكم نصيحة محب انظروا حولكم واستفيدوا من واقعكم وقدموا لهذه الإنسانية شيئاً مفيداً تلقون به وجه الله بكل فخر، اجعلوا لكم بصمةً في هذه الحياة، يخلد فيها ذكركم وذكر آباىكم معكم ليوم القيامة، لا تقل عن نفسك أنك فاشل ولا تصلح لشيء كما يفعل بعض الشباب، فهذا كلام الشيطان، كل الشباب مغرر به، إما من صديق سوء يرشده للهاوية، وأما من الشيطان بالغواية من سهرٍ ولعبٍ وفحشٍ ولكن لا تقنط فباب التوبة كبير لمن اقبل وربك غفور رحيم ، فتعال وعد إلى الله وفكر وتدبر في هذه الحياة، واصنع لك عملاً تلقى به وجه الله، فهذه الحياة لن يملكها إلا العظماء. اللهم هيأ لنا من أمرنا رشدا واجعل خير أعمالنا خواتمها يا أرحم الراحمين، قال تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.
الله ربي لا أريد سواه
هل في الوجود حقيقة إلا هو
الشمس والبدر من أنوار حكمته
والبر والبحر فيض من عطاياه
الموج كبره والوحش مجده
والطير سبحه والحوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصم قدسه
والنحل يهتف حمدا في خلاياه
والناس يعصونه جهرا فيسترهم
والعبد ينسى وربي ليس ينساه
إن كنت تريد أن تصبح ذا آثر فما عليك إلا أن تبحث عن عمل أو هدف تصنعه في هذه الحياة ليكون منارةً من بعدك، وسوف تجده ولكن اجعل الإخلاص سبيله فمن دون الإخلاص لن ينفعك شيء وسوف يكون هباءً منثورا، اقرا للعظماء وتمعن في قصصهم وحاول أن تقلد منهم تقليداً طيباً ينير لك ظلمة القبر ويرفع مقامك عند الله. كم اشتاق لابتسامة صديق وكلمات حب كنت اسمعها ممن فقدتهم، لم يصنعوا الكثير ربما، ولكن يكفي كلما جاء ذكرهم قيل عنهم (صقى الله تلك الأيام ما أجملها ورحم الله فلان الذي كان يصنع البسمة على وجوهنا ويدخل السرور إلى قلوبنا بكلامه الطيب). لذلك كان من أعظم الأثر وأعظم الاعمال هو الهداية إلى الله تعالى، فالذي يدلك على الله ويرحل، قد رحل بأثر كبير وعمل عظيم، أنه كان سببا في نجاتك وعودتك للحق، فكيف بالنبي الذي اعتلى قمة هذا الهرم العظيم بإن كان سبباً في هدايتنا وسبباً في كوننا مسلمين.