الصُّلح مع الأعداء، له قواعده وشروطه ودواعيه ولوازمه، وهو منصوص عليه في الكتاب والسُّنَّة، أمَّا التَّطبيع فهو إحلال مجموعة من التَّفاعلات، ذات الطَّابع التَّعاوني والسِّلمي، محلَّ مجموعة أخرى من التَّفاعلات، ذات الطَّابع التَّصادمي الصِّراعي، وذلك في مختلف المجالات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والثَّقافيَّة.
ويقرِّر أهل القانون الدُّولي، بأنَّ التَّطبيع يتَّخذ أشكالاً متعدِّدة، من خلال مدِّ جسور الاتِّصال، وإقامة علاقات رسميَّة وغير رسميَّة، في المجالات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والثَّقافيَّة مع العدو الصُّهيوني.
ولا يخفى على اللَّبيب أنَّ التَّطبيع السِّياسي، يمثِّل الدَّرجة القُصوى في التَّنكُّر للقضيَّة الفلسطينيَّة، لأنَّ هذا الشَّكل من التَّطبيع إقرار واعتراف صريح، بوجود المحتل على أرض فلسطين، ممَّا يساعد على تثبيت وتقوية وجوده واستيطانه على أرض فلسطين المحتلَّة.
ومن آثار التَّطبيع الخطيرة، فتح العقول العربيَّة أمام الاختراق الصُّهيوني، من خلال وسائل الإعلام والإصدارات والكتابات والأعمال الأدبيَّة، والمنتديات العلميَّة والثَّقافيَّة، وملتقيات حوار الأديان، والثَّقافات والحضارات.
ويعتبر التَّطبيع الثَّقافي الدَّعامة الرَّئيسيَّة للتَّغلغل الصُّهيوني في المنطقة العربيَّة، لأنَّه أعمق وأكثر تأثيراً.
لذلك توحَّدت الكلمة الشَّرعيَّة في منع هذا الشَّكل من التَّطبيع؛ لما فيه من الموالاة لليهود، وتقويتهم على حساب المسلمين، ولا عبرة لبعض الفتاوى الشَّاذَّة، هنا وهناك، والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبع.
إنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة قضيَّة المسلمين جميعًا، لا يحقُّ لأيٍّ كان أن يتصرَّف بشأنها، بشكل فردي بعيد عن إجماع علماء الأمَّة، وعلماؤنا الأجلاء الكرام، هذا رأيهم وحكمهم في التَّطبيع مع العدو الصُّهيوني:
التَّطبيع مع اليهود محرَّم شرعًا، ولا يجوز لأحد أن يعقده، وإذا وقع فإنه يقع صلحًا باطلًا، والأدلة على تحريمه كثيرة منها: 1 ـ قال الله تعالى: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) التوبة: 29. والتَّطبيع يعطِّل هذه الآية. 2 ـ وقال الله تعالى:
( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) النساء: 75.
إذا كان الله أوجب القتال؛ لإنقاذ المستضعفين، فكيف نصالحهم صلحًا يمكِّنهم من المستضعفين من المسلمين ؟؟.
وهذا ممَّا يتضمَّنه التَّطبيع.والتَّطبيع يضادُّ مقاصد الجهاد الشَّرعي الثَّابت في الكتاب والسُّنَّة وإجماع علماء الأمَّة، وهو صلح باطل، لما فيه من الشُّروط الباطلة المضادة للإسلام، وقد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: ( ما كان من شرط، ليس في كتاب الله، فهو باطل؛ وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحقُّ، وشرط الله أوثق ) متفق عليه، ففي التَّطبيع من الشُّروط الاعتراف بالكيان الصُّهيوني، وإلغاء الجهاد وأمثال ذلك.و التَّطبيع يعارض حديث: ( من عمل عملًا، ليس عليه أمرنا، فهو رد ) متفق عليه، والتَّطبيع ليس عليه أمر الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، بل هو مضادٌّ له، ويخالف الأصول المجمع عليها في الجهاد والولاء والبراء، وأصل عدم تمكين اليهود من أراضي المسلمين.
أيها المسلمون في كل أصقاع الأرض:
آن الأوان كي تنهض الأمَّة من سباتها، وتسير على طريق عبد الله بن رواحة، وجعفر الطيَّار، وزيد بن حارثة، وعلى خطى عمر بن الخطَّاب، وأبي عبيدة، وخالد، وصلاح الدِّين الأيوبي رضي الله عنهم، على خطى هؤلاء الشَّهداء، الذين سطَّروا بدمائهم أروع صفحات الجهاد المقدَّس على أرض فلسطين المباركة، ومسجدها الأقصى المبارك.
آن الأوان لندرك أنَّ الله سبحانه وتعالى ما ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى؛ إلا ليقول لنا انفروا أيها المؤمنون؛ لتحرِّروا مقدَّسات الإسلام من فساد الوثنيَّة، ومن موبقات الزُّناة، وقتلة الأنبياء، أبناء القردة والخنازير..
هيَّا لنلبِّي نداء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ونصلّي في الحرم القدسي الشَّريف؛ لننال الثَّواب والأجر.
حان الوقت كي يعرف العدو قبل الصَّديق أنَّ مسرى نبيَّنا محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام هو مكان لكل موحِّد على وجه الأرض، لكلِّ من قال: لا إله إلا الله محمَّد رسول الله…
حان الوقت لنعيد صلتنا العقيديَّة بالمسجد الأقصى، ونؤكِّد للعالم أنَّه ما ضاع حقٌّ وراءه مطالب…
فالأقصى لكم، والأرض المباركة حقُّكم، إنَّها الأرض العربيَّة الإسلاميَّة، فلنكن لها جنودًا أوفياء، نستعيدها من أيدي قتلة الأنبياء، ولنعلن من حجِّنا من بيت الله الحرام، أنَّه لا يجوز لنا أنْ نقبل بحجٍّ، دون زيارة للمسجد الأقصى، لا يجوز لنا أنْ نهاب اليهود، ونحن الذين وهبنا أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا لله -عزَّ وجلَّ- فيا مسلمي العالم: اتحدُّوا، وكونوا يدًا واحدة لنصرة أقصانا السَّليب، كلُّ عام يأتي المسلمون من كلِّ فجٍّ عميق؛ لأداء مناسك الحجِّ، وزيارة المسجد النَّبوي الشَّريف، فلا بدَّ من استكمال زيارة اللُّؤلؤة الثَّالثة، فقد قال نبيُّنا الكريم: ( لا تشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) متفق عليه.
ختامًا أقول:
يا ثالث الحرمين إنَّ العهد في
أعناقنا قد صار عهدًا أكبرا
يا ثالث الحرمين إنَّ قلوبنا
مكلومة حتَّى تعود ونثأرا
لهفي عليك وللسِّياسة مكرها
أتباع في سوق الطُّغاة وتشترا
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيَّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.