هل طلاق المرأة من زوجها يدل على أنها فاشلة؟!
الشيخ علي أحمد أبو حوران
من الأمور السيئة أن تسمى المرأة المطلقة في مجتمعاتنا (بالمرأة الفاشلة) لأنها كلمة فيها ظلم للنساء، وفيها امتهان لمشاعر المرأة التي ربما خاضت تجارب صعبة جداً مع رجال ليس لديهم من أخلاق الرجولة والدين شيء مما اضطرها لأن تطلب الطلاق أو تسعى إليه. لذلك تنتشر في مجتمعاتنا العديد من هذه المسميات الغريبة والعادات الجاهلية التي نهى عنها الإسلام وحاربها بوسائل الترغيب والتبشير تارةً وبوسائل التنذير تارةً أخرى.
ومن تلك الوسائل أن شرع الله عز وجل أحكاماً وقوانين تنظم هذه الأمور ومنها الطلاق في الإسلام ما للرجل والمرأة من حقوق وواجبات، وبين سبحانه وتعالى أبين توضيح وأفهم بالكلام الصريح، أن للمرأة حقوق ومسميات تطلق عليها لا يجوز أن تنادى بغيرها ولا أن تنتهك حرمتها.. لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نعم القدوة الحسنة في زواجه وطلاقه ومعاملته للنساء خير القدوة إذا نظرت في سيرته رأيت الرجولة والقوامة الحقيقية التي ينبغي لكل رجل الاقتداء بها. عزيزي القارئ آية في كتاب الله جميلة جداً لو دققنا في فحواها وعلمنا معناها وسرنا بهداها في هذا السياق الذي نتكلم عنه، “لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً”. وإن كانت الآية الكريمة تتحدث عن رجعة الزوجة المطلقة طلاقا رجعيا لزوجها، أو بقائها في بيتها وقت العدة، إلا أنها أيضا تحمل في طياتها الأمل والتفاؤل بإن الله سوف يغير شيئاً للأجمل والأفضل.
لعل الخير يكمن في الإفتراق والبعد عن النصف الآخر الذي لم نجد فيه الطموح الذي كنا نحلم به يوماً من الأيام. لعل الخير يكون في أمر أخر قدره الله لنا وخبئه في غيبه، ولعل الله يفاجئك بما لم تتوقعه بعد تجربه استنفذت منك طاقة كبيرة من الوقت والتعب والمال. والغريب كل الغرابة أن الطلاق إذا وقع لصقت تهمة الفشل بالنساء دون الرجال! وقيل عن المرأة أنها خاضت تجربة فاشلة، لأنها لم تعرف التصرف ولم تعرف المحافظة على بيتها أو تحترم زوجها، أو من الكلام الكثير، والسؤال الواجب أن نسأله المجتمع؟ لماذا لا يقال أن الرجل فاشل؟ وإن الرجل لم يفهم زوجته وإن الرجل لم يعاملها بإحسان، ولم يراعي مشاعرها ولم يعطها حقوقها؟ وإن الرجل اعتبرها عبدة تعطيه حقوقه وتطيع أمره..
لم نسمع يومًا أنّ واحدةً عندما تزوّجت اتّهمها البعض بخيانة ذكرى زوجها أو قيل عنها خرابة البيوت والمرأة الفاشلة ولم نسمع ذماً لواحدة فيهن، فقط كان الخير يبادرهن، بفضل الله، وهذا مصداق قوله تعالى “لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً”
للأسف هذا المجتمع فيه هذا المرض المستشري كثيراً، فدائماً نسمع الكلام عن المرأة أنها فاشلة بزواجها الأول ونضع اللوم عليها وتتأفف منها الرجال في طلبها للزواج، في حين لا نلوم الرجل السيء الخلق والسكير وقليل الدين على طلاقه، فقط لأنه رجل.. لا أنكر أن بعض النساء لديها تمرد وبعضهن لديها قلة احترام وتربية ودين وتدخل إلى بيت الزوجية فتثير فيه المشاكل وتشعل فيه فتيل الحروب، وتوقع فيه العدواة، وبعضهن تعصي الله في علاقات مع رجال آخرين، وبعضهن تظن نفسها الملكة اليزابيث من حيث الجمال وتتذمر على زوجها المسكين، والبعض غير نظرها باب الحرية الجديد كما حصل ويحصل مع نساء المسلمين في أوروبا، حيث بلغت نسب الطلاق مباغاً كبيراً لأسباب تافهة جدا كانت فيها النساء السبب الأكبر ووو الكثير.
هذا موجود نعم، ولكن علينا أن نبتعد عن سياسة التعميم فهناك شريحة كبيرة جداً تقع للاسف نتيجة ظلم الزوج والعائلة لها فيكون الطلاق مصيرها لا محالة فمن المعيب علينا أن نقول أنها (إمرأة فاشلة). لماذا لا نقرأ سير الصحابة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السياق لننظر كيف ساد فيهم العدل والخير، عندما كانت المرأة المسلمة يُتوفّى عنها زوجُها أو تُطلّق، كان الصحابة يتسابقون على الزواج بها من أجل رعايتها من باب الإحترام والإكرام والتشريف لها.. على عكس مجتمعاتنا اليوم فاليوم هي بضاعة منبوذة توضع آخر الخيارات وآخر الرغبات.
فنجد إذا تصفّحنا سيرتهم أن صحابيّة تزوجت بأربعٍ من الصحابة، صحابيٌّ تلو الآخر وبثلاثة ولم يُنظر إليها ومثيلاتُها بعين المعايرة أو الإنتقاص ولم يقولوا انها فاشلة لان المجتمع كان يحكمه رجولة الفعل والمنطق والحق والدين الذي ضبط كل شيء وفيه ابتغاء الأجر فيها أولا وتشريفا لها ثانيا. فهذه عاتكة رضي الله عنها، تزوّجها عبد الله ابن أبي بكرٍ الصدّيق رضي الله عنهم جميع وكانت تحبّه ويحبّها حُبّا لا يوصف. ثمّ مات عنها فبادر بالزواج منها الفاروق عمر رضي الله عنهٌ وكان ابن عمها أيضا، ثم مات عنها شهيداً، فبادر بإكرامها والزواج منها حواريّ النبى صلّى الله عليه وسلم الزّبير بين العوّام فقُتل شهيدًا فلم يقولوا عليها (جلاّبة المصائب على أزواجها أو المرأة الفاشلة) إنّما قالوا مقالةً بليغة (من أراد الشهادة فعليه بعاتكة) فأي شرف نالته تلك الصحابية..
ولتتصفحوا معي قصّة أسماء بنت عميس رضي الله عنها تزوجت من جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه وهاجرت معه الحبشة وأنجبت له البنين، ثم استشهد رضي الله عنه، ثم تزوجت خير الرجال أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأنجبت له محمد، ثم مع زوجها الأخير سيّد الرّجال والفرسان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يلاعب أبناءها من أزواجها السابقين وهو يسمع كلامها العذب فيهم لأولادها فيبتسم ولا يغار ويقول لو تكلّمت فيهم بغير هذا لزجرتك فهم أصحابي اي عن أولادها رضي الله عن الجميع..
لم نسمع يومًا أنّ واحدةً عندما تزوّجت اتّهمها البعض بخيانة ذكرى زوجها أو قيل عنها خرابة البيوت والمرأة الفاشلة ولم نسمع ذماً لواحدة فيهن، فقط كان الخير يبادرهن، بفضل الله، وهذا مصداق قوله تعالى “لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً”. وهذا نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم نفسه لم يتزوّج بكرّا سوى أُمّنا عائشة رضي الله عنها فقط وباقي نسائه آمل أرامل أو مطلقات ولم نسمع عنه صلى الله عليه وسلم قط أنه امتهن حق زوجه أو انقصها احترامها، بل كان نعم الزوج بأبي هو وأمي. ونستغرب عندما نجد البعض إذا أراد الزواج ممّن سبق لها الزواج يتعامل مع حقوقها وكأنّها سيارةٌ مستعملةٌ! هذا والله إجرامٌ وظلم في حقّ المرأة المسلمة. فتجد الكثير يتأذّى من فكرة زواجها السابق وهذا إن دلّ على شيء فلا يدُلّ إلّا على عدم ثقةٍ برجولته وشخصه وقلّة حيلته بل وإنعدام كلّ ما سبق. فإما أن تكون رجلاً وتحافظ على ما عندك وإلا لا تسىء الأدب والاحترام مع نساء المسلمين.
المرأة المسلمة التي لم تنجح في حياتها أو ترمّلت ليست فاشلة إي وربّي وإلا سُمّيت سورة الطلاق التي أنزلها الله تعالى بسورة الفشل أو الفاشلات بل سُمّيت لدى المفسرين بسورة الفرج “لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً”. تلك الأخت التي نزلت بها مصيبة الطلاق وأصابها الخوف من المستقبل وما فيه من آلام نقول لها (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) لعلّ بعد الفراق سعادةٌ وهناء، لعل بعد الزوج زوج أصلح منه وأحسن منه، ولعلّ الأيّام القادمة تحمل في طيّاتها أفراح وآمال.
يتوجّب علينا أن نحافظ عليهن ونُحاول أن نعوّضهنّ عن خسارتهنّ النفسيّة والمعنويّة وأن نحميهنّ من كلاب وحثالات البشر ممّن ينظر إليهنّ بسوء، وأنهن سلعة بخسة، ها هو نبينا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم كان أوّل زواجه بسيّدةٍ سبق لها الزواج خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. فلو كان تعدد زواج المرأة سُبّةً لكان الإسلام نهى عنه وحرّمه فديننا أولى بالأخلاق والشرف منّا جميعًا ومنه تعلّمنا كلّ الأخلاق. إنّ المرأة المسلمة هي عنوان نقاء وقُوّة بنيان المجتمع الإسلامي ودليلٌ على أخلاقه وقوّة بنيانه فاتقوا الله في نساء المسلمين. كذلك هو المطلوب من بنات المسلمين عدم التكبر على الرجل المطلق الذي أيضاً ربما أصابه ظلم وجور بسبب زواجه من إمرأة لم تراعي حقوقه ولم تحرم مشاعره، فطلاقه ليس عيباً أن كان مظلوماً.. حفظ الله نساء وبنات المسلمين وأسدل عليهم ستره ورحمته.