إنّ الوحدة أساس النصر والنّجاحات وتحقيق الأهداف، فيها تزداد القوة، ويتحقّق جماع الخير، إنّ في الوحدة اتباعٌ للمنهج الديني، فديننا الحنيف يدعونا أن نكون دوماً كالجسد الواحد، متّحدين في الكلمة، والفعل، والقلوب، كي لا تكون لأي أحدٍ قدرة على كسرنا والانتصار علينا، وكثيرةٌ هي الآيات الكريمة التي حثّت على الاتحاد؛ ففي قوله تعالى: “ولا تفرقوا ” دليلٌ على ذلك.
كان الرّسول صل الله عليه وسلم يحثّ أصحابه على الاتحاد، ويدعوهم لتكون كلمتهم واحدة؛ لأنّ التفرقة والانفراد من صفات الجاهلية، وامتدادٌ لها، وفيها كل أسباب النزاع، حتى في يومنا هذا نرى الدول المنفردة دولاً ضعيفةً، مهزومةً، لا يحسب حسابها أحد، أمّا الدول المتحدة فكلمتها مسموعة، وجيوشها أقوى جيوش العالم، وسمعتها تفوق كل الدول المتفرقة، فإن وقعت دولة أسندتها الأخرى؛ ففي الاتّحاد تتوزّع الخيرات، وتتفرّق الآلام، وتجتمع الأفراح، وتظهر القوة.
نعم: الاتحاد قوة والتفرق ضعف، ولن يقوى بناء إلا بتماسك لبناته وقواعده وأساسه القوي المتين. وقد بنيت دولة الإسلام على الترابط والمؤاخاة، وبعد وصول النبي صل الله عليه وسلم المدينة أول ما قام به (المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار). كما أن المطلع على تشريعات الإسلام يجد بأن الإسلام دعوة عملية دائمة للوحدة والاتحاد والائتلاف، ومن هنا قال أحد الدعاة: “أعجب لأمة تتحد في قبلتها وعبادتها وكتاب ربها وسنة نبيها ثم لا تجد سبيلا لتحقيق وحدتها”.. فالصلاة والحج والصوم والجمعة والزكاة كل هذه الفرائض تذكرنا بالوحدة وتدعونا إليها دعوة عملية. ولقد فطن أعداؤنا إلى أهمية الوحدة وتأثيرها، فعملوا على تمزيقها من خلال دبِّ الخلاف والفرقة بين المسلمين. وإذا تصفحنا التاريخ ندرك من خلاله: أن الأمة كلما كانت متوحدة كلما كانت مهابة وعزيزة وقوية، وأكبر شاهد على هذا نموذج الخلافة الراشدة، والخلافات الإسلامية المتوالية. وما انتصر علينا الأعداء إلا بعدما دبَّ النِّزاع والخلاف والفرقة بيننا،
الاتحاد قوة، والقوة تؤدي إلى النصر، والتفرق ضَعف، والضعف يحقِّق الهزيمة، والتاريخ خير شاهد على ذلك، اتحدَّ المسلمون في غزوة بدر، فانتصروا، واختلفوا في غزوة أُحد، فكان منهم مَن طلَب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، ومنهم مَن طلب المال والعتاد، فخالفوا أمْر الرسول، فانهزَموا، وقد قال أحدهم: لماذا هُزِمنا وقد وعَدنا الله النصر؟ فأنزَل الله قوله موضِّحًا أسباب الهزيمة: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ وشرح هذا المعنى أحد الحكماء لأولاده؛ ليُلقنهم درسًا في الاتحاد، فقدم إليهم حُزمة من العصي قد اجتمعت عيدانها، فعجزوا عن كسْرها، فلما فُكَّ الرباط، وتفرَّقت الأعواد، تكسَّرت واحدًا واحدًا، وصور ذلك الشاعر العربي، فقال: كُونُوا جميعًا يا بَنيّ إذا اعتَرى خَطْبٌ ولا تتفرَّقوا آحادَا
تأبَى العِصِيُّ إذا اجْتمعْنَ تكسُّرًا وإذا افْتَرَقْنَ تكسَّرت أفْرادَا