الإيمان والعمل الصالح مكرمة وكرامات
بقلم الشيخ سمير الإبراهيم الأمين العام لرابطة علماء ودعاة سورية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد إمام المتقين وقائد الغر
الميامين وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه إلى يوم الدين.. وبعد.
إن الإيمان والعمل الصالح متلازمان لا يفترقان فلا إيمان بلا عمل صالح فالمؤمن لا يصل الى الإيمان إلا بالعمل الصالح فما ذكر الله الإيمان إلا وأتبعه بالعمل الصالح فقد قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ
وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحجرات: 14].
ولو تدبرنا هذه الآية لوجدنا أن هذا دليل على أن المؤمن لا يصل إلى الإيمان إلا بطاعة الله ورسوله وطاعة الله ورسوله بالعمل ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة:105].
ولقد أكرم الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان والعمل الصالح بالفوز في الدنيا والآخرة ففي الآخرة أعطاهم الله جنات الفردوس وجنات عدن وجنات النعيم.
كل على حسب عمله فالفردوس أعالي الجنان وهي مكان الاستقبال والمنزل لأهل الإيمان والعمل الصالح من أصحاب الدرجات العليا.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾ [طه:75].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ [الكهف:107]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة ))، وقال كعب: ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس فيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وقال قتادة: الفردوس ربوة الجنة وأوسطها
وأفضلها وأرفعها وقيل: هي الروضة المستحسنة، وقيل: هي التي تنبت ضروبًا من النبات، وجمعه فراديس وهي مكان النزل أي مكان الاستقبال
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أولئك لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف :30 -31].
وجناتُ عدن، يعني بساتين إقامة في الآخرة ويلبسون من أساور الذهب وما رقّ من الديباج، وما ثخُن من الإستبرق كما قال المفسرون.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [لقمان:8 -9].
وأهل جنات النعيم يتنعمون فيها بأنواع الملاذ والمسار، من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والمراكب والنساء، وهم في ذلك مقيمون دائما فيها، لا يظعنون، ولا يبغون عنها حولا وهذا كائن لا محالة; لأنه من وعد الله، والله لا يخلف الميعاد; لأنه الكريم المنان، الفعال لما يشاء، القادر على كل شيء.
وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ [الرعد:29].
وعن عتبة بن عبد السلمي قال: (( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الجنة وذكر الحوض فقال: فيها فاكهة؟ قال: نعم شجرة تدعى طوبى قال: يا رسول الله! أي شجر أرضنا تشبه؟ قال لا تشبه شيئا من شجر أرضك، أأتيت الشام هناك شجرة
تدعى الجوزة تنبت على ساق ويفترش أعلاها. قال: يا رسول الله! فما عظم أصلها؟! قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما )) وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الأشعث عن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها طوبى ; يقول الله تعالى لها: تفتقي لعبدي عما شاء ; فتفتق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء، وتفتق عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء، وعن النجائب والثياب. وذكر ابن وهب من حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة الباهلي قال: طوبى شجرة في الجنة ليس منها دار إلا وفيها غصن منها، ولا طير حسن إلا هو فيها، ولا ثمرة إلا هي منها ; وقد قيل: إن أصلها في قصر النبي – صلى الله عليه وسلم – في الجنة، ثم تنقسم فروعها على منازل أهل الجنة، كما انتشر منه العلم والإيمان على جميع أهل الدنيا. وقال ابن عباس: طوبى لهم فرح لهم وقرة عين ; وعنه أيضا أن طوبى اسم الجنة بالحبشية ; وقاله سعيد بن جبير. وقال الربيع بن أنس: هو البستان بلغة الهند ; قال القشيري: إن صح هذا فهو وفاق بين اللغتين. وقال قتادة: طوبى لهم حسنى لهم. وقال عكرمة: نعمى لهم. وقال إبراهيم النخعي: خير لهم، وعنه أيضا كرامة من الله لهم. وقال الضحاك: غبطة لهم. قال النحاس: وهذه الأقوال متقاربة ; لأن طوبى فعلى من الطيب ; أي العيش الطيب لهم ; وهذه الأشياء ترجع إلى الشيء الطيب.
وقال الزجاج: طوبى فعلى من الطيب، وهي الحالة المستطابة لهم ; والأصل طيبى.
ويكفي المؤمن أنه ضمن الجنة مهما كانت درجتها فقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة:82].
وفي كتاب الله آيات كثيرة تدل على عطاء الله عز وجل لأهل الإيمان والعمل الصالح بما أعد الله من نعيم الآخرة.
وأما عطاء الله في الدنيا لأهل الإيمان والعمل الصالح فهو كرامة لهم في الدنيا.
قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [غافر:40].
والحياة الطيبة كل ما يتمناه المرء في دنياه بل زاد الله تعالى لهم أن أعطاهم وده في الدنيا والآخرة قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا﴾ [مريم:96].
والود حب في قلوب عباده كما رواه الترمذي من حديث سعد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل إني قد أحببت فلانًا فأحبه قال فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض فذلك قوله تعالى: ( سيجعل لهم الرحمن ودًا ) وإذا أبغض الله عبدًا نادى جبريل إني أبغضت فلانًا فينادي في السماء ثم تنزل له البغضاء في الأرض. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله أعطى المؤمن الألفة والملاحة والمحبة في صدور الصالحين والملائكة المقربين ” ثم تلا: ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا ). بل وإن الله تعالى أيضًا قد أكرم أهل الإيمان والعمل الصالح بتكفير ذنوبهم.
قال تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ﴾ [التغابن:9].
وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة:9].
بل إن الله تعالى بعد أن كفر سيئاتهم ضاعف لهم أجر العمل الصالح، وما يقربهم إلى الله إلا إيمانهم وعملهم الصالح.
قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ:37].
ولم يقف عطاء الله عند ذلك فأعطى للعصاة من أهل الكبائر بعد أن تابوا وآمنوا وعملوا العمل الصالح بتبديل سيئاتهم حسنات والتبديل أعظم من المغفرة وتكفير ذنوبهم فقد من الله عليهم بالمغفرة وتكفير ذنوبهم وتبديل جميع سيئاتهم إلى حسنات وأصبح رصيدهم الضعف.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)﴾ [الفرقان:68-69-70-71] .
وما أعظم ذلك إذ جعلهم الله في الصالحين مستجابي الدعوة.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت:9] . وقصة أهل الغار أن أهل العمل الصالح دعوتهم مستجابة بصالح أعمالهم.
عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالًا عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم فقال أحدهم اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي ولي صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بني وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء ففرج الله منها
فرجة فرأوا منها السماء .
وقال الآخر اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها
بمائة دينار فتعبت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها فلما وقعت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها
فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ففرج لهم.
وقال الآخر اللهم إني كنت استأجرت أجيرًا بفرق أرز فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه فرقه فرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا ورعاءها فجاءني فقال اتق الله ولا تظلمني حقي قلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها فقال اتق الله ولا تستهزئ بي فقلت إني لا أستهزئ بك خذ ذلك البقر ورعاءها
فأخذه فذهب به فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي ففرج الله ما بقي.
وفي الختام نذكر بأن العمل الصالح يأبى إلا أن يأخذ صاحبه إلى الجنة، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” بينما كلب يطيف بركية، كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها،
فسقته فغفر لها به ”.
أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم**لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَـــــــفاعَه
وَأَكــرَهُ مَن تِجــــارَتُهُ المَــعاصـــــــي** وَلَو كُنّا سَواءً في البضاعة
اللهم اجعلنا من الصالحين وافتح علينا فتوح العارفين واجعلنا في عياذك وجوارك من الآمنين اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علمًا وفهمًا وفقهًا في الدين ( وسلام على المرسلين* والحمدالله رب العالمين ) الصافات.
جزاكم الله تعالى خيرا وبارك بكم وفتح عليكم فتوح العارفين ونفع الأمة بعلمكم
جزاكم الله خيرا على هذا الجهد وهذه المعلومات القيمة ونسأل الله ن يكون ذلك في ميزان حسناتكم يوم القيامة