الغاية من عبوديتنا لله
بقلم الشيخ حسام عشاوي
الحمد لله ثم الحمد لله وأفضل الصلاة وأتم التسليم على رسول الله صفوة الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد.
يستشكل على كثير من الناس الجمع بين قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }. [سورة الذاريات]
وبين قوله تعالى في الحديث القدسي : {يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئا—}. [صحيح مسلم ]
فيقول المستشكل: لماذا أمرنا الله بالتعبد طالما لا يزيد ولا ينقص في ملكه شيئا ؟
نقول للمستشكل: من المسلمين والذي يستثقل أوامر الله وعبادته؛ لأن أمر التعبد يعود علينا نحن بالفائدة والخير، ولا يعود على الله، بل إن جمهور الفقهاء والعلماء أجمعوا على أن عبادتنا لله جاءت لتحقيق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة ولاشك أن في الآخرة لا خلاف على هذه السعادة، حيث يثيب الله الطائعين له في دار الدنيا بإدخالهم الجنة، لكن كيف تكون هذه السعادة في الدنيا؟ كيف يمكن لعبادة الله المتمثلة بالأحكام الشرعية (الأوامر والنواهي) أن تكون سعادة لنا وهذه الأحكام هي تكاليف وضوابط، والتكليف هو حمل الإنسان على بذل الجهد والمشقة، ربما سعادتي تكون لو لم يحرم ما حرمه الله، ولو لم ينه عما نهى عنه، وأكون حرًّا بدون قيود.
نقول لمن يشكك في ذلك لدينا الأدلة على ذلك:
الأدلة من القرآن:
1- قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [الانفال ٢٣]. فالله يدعونا إلى ما يحيينا، وهو الدين الذي أمرنا به وأبلغنا أن فيه الحياة الحقيقية، والكافر كالميت بدليل قوله تعالى: {أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون}. [الأنعام ١٢٣]
2- وقوله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين(٥٧) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}. [سورة يونس ]
أمرنا تعالى أن نفرح بتعاليم هذا الدين، فهو البشرى والفرح لنا لا أن نضيق ذرعا بعبادته.
3- قوله تعالى {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا} [النساء١٧٤].
أما الأدلَّة من السنة:
النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بالهجرة إلى الحبشة، فخرج وفد من الصحابة إلى الحبشة للقاء النجاشي برئاسة الصحابي جعفر بن أبي طالب، قال لهم النجاشي : ما الذي جاء بكم؟ كان جواب جعفر للنجاشي صورة للواقع الذي كانوا يعيشونه في الجاهلية وصورة لواقعهم في عهد الإسلام، فقال جعفر: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وعفته وأمانته، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ماكنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الجوار وصلة الرحم، ونهانا عن الفواحش والمحرمات وأكل مال اليتيم —-》.
لو سألنا أيهما أفضل بعد أن أصغينا إلى حديث جعفر واقع العرب قبل الإسلام أم بعده؟
ومن كان المستفيد والمنتفع من تعاليم الدين الإسلامي وعبادة الله هل كان الله أم نحن؟
كان العرب قبل الإسلام كما جسده جعفر مضرب المثل في الجهل والتخلف، ثم أصبحوا مضرب المثل في الحضارة والتقدم، كانوا أذلاء ثم أعزهم الله باﻹسلام. كان الفرس والروم إذا سمعوا بالعرب يتأففون ولا يقيمون لهم وزنا نظرتهم إلى العربي هو ذلك المتخلف الجاهل الذي يبعث على الاشمئزاز. في ظل الإسلام :حل اﻷمن والطمأنينة محل الخوف وعدم الأمان حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: {والله ليتمّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلَّا الله والذئب على غنمه}. حل الرخاء وسعة العيش محل الحاجة وضيق العيش، حتى فاض المال زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فقال: (انثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين).
حل العدل محل الظلم: ملك الغساسنة جاء مسلمًا وهو يطوف حول الكعبة، فداس بدوي طرف رداء الملك التفت الملك إلى البدوي فضربه ضربة هشمت أنفه، اشتكى البدوي إلى سيدنا عمر، قال سيدنا عمر لملك الغساسنة: أرضِ الفتى أو يهشمن الآن أنفك، قال كيف ذاك يا أمير المؤمنين هو سوقة وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضا؟ قال له سيدنا عمر: نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها وأقمنا فوقها صرحًا جديدًا وتساوى الناس لدينا أحرارًا وعبيدًا ..
لو أخذنا دليلًا عمليا من الأحكام الشرعية :
تحريم الزنا ومقارنة ذلك مع حلِّ الزواج الشرعي، ماهي الغايات والآثار في كل منهما:
الزواج الشرعي يخلو من الأمراض الجنسية المنتقلة عن طريق الزنا.
– في الزواج الشرعي المرأة لها حقوق وواجبات، وهي مصانة وكريمة وعزيزة على خلاف المرأة حال الزنا، فهي ذليلة صغيرة ليس لها حقوق ولا واجبات.
– في الزواج الشرعي تتحقق المودة والرحمة لقوله تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [النساء]. بخلاف الزنا سرعان ما يدب الخلاف والشقاق بينهما بعد قضاء كل منهما حاجته الجنسية.
– في الزواج الشرعي يتم بناء الأسرة المسلمة بخلاف الزنا التي يخلو من الأسرة.
ولو نظرنا إلى كل الأحكام الشرعية من الأوامر والنواهي فإنها تصب في خدمة ومصلحة العباد.
– شاء الله أن خلق الإنسان كريما فقال تعالى: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} [الإسراء ٧٠ ]
وحتى تستقيم هذه الكرامة ولا يشوبها شائبة تستوجب علينا وتقتضي أن نكون عبادًا لله لماذا؟
أنا من خلال تعبدي لله والتعرف على دينه وأسمائه وصفاته بالتالي أدرك وأؤمن أن أمري بيده، وأنه هو المعطي والمانع وهو الضار والنافع، وهو المعز والمذل والناصر والغني، بالتالي عندما أنا أقع في كربة أو مصيبة أو ضائقة لا ألتجئ إلا إليه، ولا أتذلل إلا له، ولا أطرق إلا بابه وهكذا أكون قد حافظتُ على الكرامة التي كرمني الله بها.
أمَّا عندما لا أطبق عبوديتي لله بالتالي عدم معرفتي لدين الله وعدم معرفتي لصفاته وأسمائه، فإذا وقعت في مشكلة ألتجئ إلى فلان وفلان متوهمًا أن فلانا هو المعين، وفلانا هو الناصر، وفلانا هو الرازق، وهذا سيجرح بالكرامة التي أرادها الله لي.
تماما كحال السحرة مع فرعون قبل أن يعرفوا هويتهم أنهم عبادًا لله، وأن هناك معبود هو الله كانوا أذلاء عند فرعون، أما عندما جاءهم موسى بالبينات وعرفوا أن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا أصبحوا أعزاء.
نذكر الآيات للتوضيح: { فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئنَّ لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالبين ○ قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين ○ قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ○ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ○ فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ○ فألقي السحرة ساجدين ○ قالوا أمنا برب العالمين ○ رب موسى وهارون ○ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون ○ ﻷقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف وﻷصلبنكم أجمعين ○ قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون ○ إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين} سورة الشعراء].
نجد السحرة بمجرد معرفتهم لوجود الله وأنهم عباد لله بلحظات تغيروا وانقلبوا على فرعون وأصبحوا أعزاء.
– لو سألنا ما هو الحل لردع هؤلاء الطغاة كفرعون وغيره من طغاة العصر؟ وما هو الحل لإقامة مجتمع يسوده العدل والسلام والأمن والرخاء، ومجتمع تحفظ وتكفل فيه الحقوق والأعراض والأموال والحريات والكرامات.
الحل هو أن يكون هناك قانون أو نظام يسير للناس أمورهم ومعاشهم ومصالحهم وأحوالهم كما يتواجد هذا النظام في كل قرية ومدينة ودائرة ومؤسسة فما بالكم بهذا النظام الكوني الواسع لابد أن يكون هناك قانون ينظم للناس حياتهم، وهذا القانون بلا شك هو قوله تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}. هذا القانون هو قانون الثواب والعقاب وقانون الجنة والنار وهو الرادع لهؤلاء الطغاة، حتى إذا فكر أحدنا بالسرقة يتذكر قوله تعالى: { والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما—}أو يفكر أن يغش ويحتال يتذكر قوله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} فيردعه الدين، أو يفكر أن يأكل المال الحرام يتذكر قوله تعالى: { يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل—}، أو يفكر بالقتل فيتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: { كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} فيردعه الدين. لم يبق أمامنا إلا أن نعترف بحاجتنا لدين الله وندرك أننا نحن المدينون بعبوديتنا لله. والحمد لله الذي أنعم علينا وكرمنا وشرفنا بدين اﻹسلام.