لقد شهد شهر ربيع الأول أحداثًا مهمة في هذه الأمة، وشغلت هذه الأحداث محلًا كبيرًا من الاهتمام، إنَّ أبرز أحداث السيرة النبوية التي وقعت في هذا الشهر هي:
أولاً: ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم :
ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم الإثنين فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ» الحديث(8).
أما عن الشهر الذي ولد فيه وتاريخ هذا اليوم فقد اختلف فيه العلماء، فقال ابن إسحاق: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول، عام الفيل(9).
وقال ابن كثير: ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول وقيل: ثامنة، وقيل: عاشرة، وقيل: لثنتي عشرة منه، وقال الزبير بن بكار ولد في رمضان وهو شاذ حكاه السهيلي في (الروض)(10)، وقيل: في التاسع من شهر ربيع الأول(11).
أما العام: فقال ابن إسحاق: عام الفيل، قال ابن كثير: وهو المشهور عند الجمهور، وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري: وهو الذي لا يشك فيه أحدٌ من العلماء(12).
وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل. يعني عام الفيل(13).
ومن هنا نأتي على القول بأنه ولد في يوم الإثنين في شهر ربيع الأول لأول عام من حادثة الفيل، هذا هو القول الذي عليه أغلب العلماء.
ثانيًا: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم :
كانت هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ودخوله لها في 12ربيع الأول سنة 622م، وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة يوم الخميس أول يوم من ربيع الأول، وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلت منه، وذلك يوم الإثنين الظهر لثلاث وخمسين سنة من مولده 28 يونيه 622م(24).
والهجرة النبويَّة حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية؛ لأنها كانت الخطوة الأولى في بناء الدولة الإسلامية؛ لذلك حرصت قريش أن لا يتم ذلك، وجاهدت في محاولة منع النبي صلى الله عليه وسلم من الوصول إلى المدينة، وحدث الهجرة أهمُّ عند الصحابة ي من حادث مولده صلى الله عليه وسلم بدليل أنهم حينما أرادوا أن يجعلوا للمسلمين تاريخًا خاصًّا بهم، نظروا في أعظم الأحداث -دون حدث ولادته صلى الله عليه وسلم- التي يمكن أن يؤرخوا بها، فخيَّرهم الفاروق عمر رضي الله عنه بين حادثتين لا ثالث لهما، وهما: الهجرة والبعثة.
أما السبب في عدم اتخاذ المسلمين- آنذاك-مولد النبي صلى الله عليه وسلم تاريخا خاصا بهم، هو أنهم أرادوا مخالفة النصارى الذين اتخذوا من مولد عيسى -عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام- تاريخا لهم.
ثالثًا: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم :
موت النبي صلى الله عليه وسلم فهو حدث جليل عظيم، ولم يختلف على يوم وفاته حيث كان يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، ورأى الجمهور أنه كان في اليوم الثاني عشر منه، يقول ابن رجب ـ رحمه الله ـ: «ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون، فمنهم من دُهش فخولط، ومنهم من أُقْعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية»(27).
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي؛ فإنّها أعظم المصائب»(28).
قال القرطبي: «وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة؛ انقطع الوحي، وماتت النبوَّة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير، وأول نقصانه»(29).
فأشار ـ رحمه الله ـ إلى أمرٍ عظيمٍ انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو: انقطاع الوحي الذي كان يتنزل من يوم أهبط آدم إلى الأرض؛ فانقطع بموته صلى الله عليه وسلم.
دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على أم أيمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يتفقدانها، فوجداها تبكي، فقال لها أبو بكر: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، قالت: والله ما أبكي أن لا أكون أعلم ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أنّ الوحي انقطع من السماء، فهيَّجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان(30).
لقد كان موت النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة ابتليت بها الأمة مطلقًا، وكان له أثر عظيم على نفوس الصحابة وحالهم؛ حتى صدق فيهم وصف عائشة رضي الله عنها: صار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم.
والله تعالى أعلم وأحكم.